الجمعة، فبراير 05، 2010

نعمة السجود بقلم إيمان القدوسي جريدة الوسط

لاشئ يعدل نعمة السجود للمولي عز و جل ، كل نعم الحياة المادية والمعنوية الأخرى زائلة محدودة ، الطعام والشراب والحب والنزهة ، يعقبها خمول وكسل وربما نوع من الفتور والملل ، أما متع العز والجاه والسلطان والقوة فيرافقها قلق وتوتر ومخاوف بقدر حجمها وربما أكثر ، كذلك متعة النجاح والتفوق والإنجاز تجهد الجسد والروح معا ، وحدها نعمة السجود لله سبحانه وتعالي يرافقها سكينة وخشوع وتعقبها راحة ورضا واطمئنان. السجود هنا ليس فعلا من أفعال الجوارح فقط ولكن سجود الروح لبارئها والجسد والنفس لخالقها وربها ، ومن أسرار السجود ما قرأته مؤخرا للشيخ ( عبد المجيد الزنداني ) أكرمه الله في تفسيره لسورة العلق ، يقول الشيخ :
كنت أقرأ دائما قوله تعالي ( كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة )
والناصية هي مقدمة الرأس وكنت أسأل نفسي وأقول ( يارب اكشف لي هذا المعني ،
لماذا قلت ناصية كاذبة خاطئة ؟ وتفكرت فيها وبقيت أكثر من عشر سنوات و أنا في حيرة.. إلي أن يسر الله لي بحثا عن الناصية قدمه عالم كندي ( وكان ذلك في مؤتمر طبي عقد في القاهرة ) قال فيه منذ خمسين سنة فقط تأكد لنا أن جزء المخ الذي تحت الجبهة مباشرة ( الناصية ) هو المسئول عن الكذب والخطأ وأنه الذي يقوم باتخاذ القرار.
فلو قطع هذا الجزء من المخ الذي يقع تحت العظمة مباشرة فإن صاحبه لا تكون له إرادة مستقلة ولا يستطيع أن يختار ، ولأنها مكان الاختيار قال تعالي ( لنسفعا بالناصية ) أي نأخذه ونحرقه بجريرته ، وبعد أن تقدم العلم أشواطا وجدوا أن هذا الجزء من الناصية في الحيوانات ضعيف وصغير ( بحيث لا يملك القدرة على توجيهها وقيادتها ) وإلي هذا يشير المولي عز و جل ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ).. وجاء في الحديث الشريف ( اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك.. ناصيتي بيدك ) ولحكمة إلهية شرع الله لهذه الناصية أن تسجد وأن تطأطئ له. انتهي كلام الشيخ جزاه الله خيرا
لحظات السجود الخاشع هي لحظات اغتسال من أدران الدنيا ومتاعب المخالطة ومكابدة الحياة ، هي أوقات صفاء تحفظ للمسلم سلامه النفسي والروحي وتمنحه قوة دافعة للتحمل والمثابرة ، هي الدرع الواقي من الاكتئاب والإحباط وأمراض العصر القاتلة ، هي فرصة التوبة والاعتراف ، هي أفضل أوقات الدعاء المستجاب لأن العبد فيها يكون أقرب ما يكون لربه وخالقه ومولاه ، هي منحة إلهية للمسلم للاقتراب يقول تعالي ( كلا لاتطعه واسجد واقترب ) نعم اسجد لتقترب.
عندما يصاب المؤمن بمرض يمنعه من السجود أو توهن الشيخوخة عظامه فلا يستطيع الاطمئنان فيه يعرف قيمة ما فقده ، رأيت سيدة تسجد بصعوبة وتدعو ( اللهم لاتحرمني نعمة السجود ) فلينتهز الشباب فرصة القدرة ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والشباب ) وليسجدوا خاشعين بين يدي الله عز و جل ، استجابة لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لأحد أصحابه ( أعني على نفسك بكثرة السجود )
تتشعب بنا الهموم في الحياة ومن الممكن أن نجعلها هما واحدا ، الخشوع والطاعة والدعاء ثم التوكل على الله والرضا بما قسم لنا بعد الأخذ بالأسباب ، كثير من الشباب الصالح يعرف كيف تسير الأمور مع من يكون الله في عونه ، المطلوب منك فقط أن تكن مع الساجدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق