الأربعاء، فبراير 11، 2009

كلاب الأجداد أكثر وعيّـــًا من أنظمة الأحفاد.

بسم الله الرحمن الرحيم.
كم يضيق صدري بهمومٍ و أوجاع ، عندما أتأمل ما أصاب هذه الأمة من هوانٍ و ضياع .. فتحضرني هذه القصة ، فيصاب فؤادي غصة ..يروى في سالف العصر و الأوان ، و قديم الدهر و الأزمان . ان أحد قياصرة بيزنطة كان شيخـًا ذويّاً ، قد بلغ من الكبر عتيّـــًا ، يكاد أن يصير نسيًا منسيّاً .. في مرة من المرات جمع مجلس قيادته للتحاور ، كما استدعى سائر بطانته للتشاور ، في كيفية منع الانهيار الكامل ، لإمبراطورية الروم الشرقية في الأمد العاجل ..و بعد احتدام الجدال قوته ، وبلوغ النقاش ذروته . نصحه مستشاريه و أمنائه ، بأن يستفيد من الصراع الدائر بين أميرين من أعدائه ، و ان يستخلص من ذلك خطة إستراتيجية ، تكون حاسمة و ناجية ،في درء الخطر المفروض ، وتمكين الإمبراطورية من النهوض ..و لكن القيصر المسنّ بدل أن يجيب بالرفض أو الموافقة ، أراد أن يلقن الذين نصحوه درســًا عمليّــًا في متطلبات نجدة الدولة الصادقة ..فاحضر كلبين من الكلاب العربية سطوة ، و لهما اتقاد دهن وقوة .. و قام بالتحريش الدائر ، كُلاًّ منهما ضد الآخر؛ حتى إذا اشتدت المعركة و بدأ الحرب ، أمر ذلك القيصر إحضار ذئب ؛ و فجأة توقف الكلبان عن الخصام، و غدا بينهما الود و الوئام ، و وجّها طاقتهما نحو الذئب الدخيل ، و لم يتركا له من سبيل !.. ففهم أعضاء المجلس ، من هذه الحادثة و هذا الدرس ،و ماذا كان يعنيه القيصر الحكيم، بهذا الدرس القيّم القويم ..إن كل من يتحدث عن حال الأمة العربية المهان ، أو يتأهب عنها في مثل الظروف التي تمر بها الآن ، لا يملك إلاّ ان يستحضر جليًّا ، عظمة هذه القصة مليًّا .. أو نظائر لها من خلال حكاية ذات جدوى ، في كتب التاريخ تُروى ، أو مثل مكرسٌ به مضرب ، في امثال العرب ، أو حكمة بليغة تناقلها الثقاة السراة ، و حفظتها كتب الرواة .و لكن ما هو التفكير المبرم ، الذي يمكن ان تثيره هذه القصة اليوم ؟.. و ما مدى تطابق الدرس المستنتج ، مع واقع معاناة الأمة العربية الناتج ؟..إن أقل ما يمكن استخلاصه ، من هذا القول و خلاصه . هو أن القيصر الشيخ كان سيجد نفسه اليوم و بالتحقيق ، قد مرّ بجانبِ الحقيقة و أخطأ في قياس التكتيك و التطبيق .إن أحفاد أصحاب تلك الكلاب و أولادهم ، الذين تبرهن هذه القصة عن اتحادهم ، في المهمات و الملمات . لم يتوارثوا مثل ذلك السلوك ، عندما صاروا كقادةٍ و ملوك ، ولم يجعلوا من ممارستهم ذات التكرار ، مضربــًا لذلك المثل يتجدد باستمرار.فالأمة العربية لاتهتم جلية ، في مواجهتها للعدو الدخيل إلاّ بخصومتها الداخلية ، غافلة عن ميادين الصراع الأساسي . حين صار حكّامها الغافل منهم و الناسي ..فمنهم من يخوض معارك مزيفة ، و يقوم بأعمالٍ غير مشرّفة ، و هناك من يحاول ، عبثًا و بتصميمٍ ، تحقيق توسع لضم إقليمٍ ، في الوقت الذي تجد فيه من يتحالف ضد الأخ الأصيل ، و يقبل صاغرًا بهيمنة الدخيل ، فتراه يبيع الأرض ، و يدوس الشرف و العرض .
لأجل ذلك أرى : أن كلاب الأجداد أكثر وعيّـــًا من أنظمة الأحفاد.