الجمعة، يناير 08، 2010

§¤~^~¤§ رباعيات الخيام §¤~^~¤§

سمعت صوتا هاتفا في السحر


نادى من الحان : غفاة البشر

هبوا املئوا كأس الطلى قبل أن

تفعم كأس العمر كف القدر

**

أحس في نفسي دبيب الفناء

ولم أصب في العيش إلا الشقاء

يا حسرتا إن حان حيني ولم

يتح لفكري حل لغز القضاء

***

أفق وهات الكأس أنعم بها

واكشف خفايا النفس من حجبها

وروّ أوصالي بها قبلما

يصاغ دنّ الخمر من تربها

***

تروح أيامي ولا تغتدي

كما تهب الريح في الفدفد

وما طويت النفس هما على

يومين أمس المنقضي والغد

***

غد بظهر الغيب واليوم لي

وكم يخيب الظن في المقبل

ولست بالغافل حتى أرى

جمال دنياي ولا أجتلي

**

سمعت في حلمي صوتا أهاب

ما فتق النوم كمام الشباب

أفق فإن النوم صنو الردى

واشرب فمثواك فراش التراب

***

قد مزق البدر سنار الظلام

فاغنم صفا الوقت وهات المدام

واطرب فإن البدر من بعدنا

يسري علينا في طباق الرغام

***

سأنتحي الموت حثيث الورود

وينمحي اسمي من سجل الوجود

هات اسقنيها يا منى خاطري

فغاية الأيام طول الهجود

***

هات اسقنيها أيهذا النديم

أخضب من الوجه اصفرار الهموم

و إن مت فاجعل غسولي الطلى

وقد نعشي من فروع الكروم

***

إن تقتلع من أصلها سرحتي

وتصبح الأغصان قد جفت

فصغ وعاء الخمر من طينتي

واملأه تسر الروح في جثتي

***

لبست ثوب العيش لم أستشر

وحرت فيه بين شتى الفكر

وسوف أنضو الثوب عني ولم

أدرك لماذا جئت أين المقر

***

نمضي وتبقى العيشة الراضية

وتنمحي أثارنا الماضية

فقبل أن نحيى ومن بعدنا

وهذه الدنيا على ما هيه

***

طوت يد الأقدار سفر الشباب

وصوحت تلك الغصون الرطاب

وقد شدا طير الصبى واختفى

متى أتى يا لهفا أين غاب

***

الدهر لا يعطي الذي نأمل

و في سبيل اليأس ما نعمل

و نحن في الدنيا على همها

يسوقنا حادي الردى المعجل

***

أفق خفيف الظل هذا السحر

وهاتها صرفا وناغ الوتر

فما أطال النوم عمرا ولا

قصر في الأعمار طول السهر

***

اشرب فمثواك التراب المهيل

بلا حبيب مؤنس أو خليل

و انشق عبير العيش في فجره

فليس يزهو الورد بعد الذبول

***

كم آلم الدهر فؤادا طعين

و أسلم الروح ظعين حزين

وليس ممن فاتنا عائد

أسأله عن حالة الراحلين

***

يا دهر أكثرت البلى والخراب

و سمت كل الناس سوء العذاب

ويا ثرى كم فيك من جوهر

يبين لو ينبش هذا التراب

***

وكم توالى الليل بعد النهار

وطال بالأنجم هذا المدار

فامش الهوينا إن هذا الثرى

من أعين ساحرة الإحورار

***

أين النديم السمح أين الصبوح

فقد أمض الهم قلبي الجريح

ثلاثة هن أحب المنى

كأس و أنغام ووجه صبيح

***

نفوسنا ترضى احتكام الشراب

أرواحنا تفدى الثنايا العذاب

و روح هذا الذي نستله

ونستقيه سائغا مستطاب

***

يا نفس ما هذا الأسى والكدر

قد وقع الإثم وضاع الحذر

هل ذاق حلو العفو إلا الذي

أذنب والله عفا واغتفر

***

نلبس بين الناس ثوب الرياء

و نحن في قبضة كف القضاء

وكم سعينا نرتجي مهربا

فكان مسعانا جميعا هباء

***

لم تفتح الأنفس باب الغيوب

حتى ترى كيف تسام القلوب

ما أتعس القلب الذي لم يكد

يلتام حتى أنكأته الخطوب

***

عامل كأهليك الغريب الوفي

واقطع من الأهل الذي لا يفي

و عف زلالا ليس فيه الشفا

واشرب زعاف السم لو تشتفي

***

أحسن الى الأعداء و الأصدقاء

فإنما إنس القلوب الصفاء

و اغفر لأصحابك زلاتهم

وسامح الأعداء تمح العداء

***

عاشر من الناس كبار العقول

وجانب الجهال أهل الفضول

واشرب نقيع السم من عاقل

واسكب على الأرض دواء الجهول

***

يا تارك الخمر لماذا تلوم

دعني الى ربي الغفور الرحيم

ولا تفاخرني بهجر الطلى

فأنت جان في سواها أثيم

***

أطفيء لظى القلب ببرد الشراب

فإنما الأيام مثل السحاب

وعيشنا طيف خيال فنل

حظك منه قبل فوت الشباب

***

بستان أيامك نامي الشجر

فكيف لا تقطف غض الثمر

اشرب فهذا اليوم إن أدبرت

به الليالي لم يعده القدر

***

جادت بساط الروض كف السحاب

فنزه الطرف وهات الشراب

فهذه الخضرة من بعدنا

تنمو على أجسادنا في التراب

***

و إن تواف العشب عند الغدير

وقد كسا الأرض بساط نضير

فامش الهوينا فوقه إنه

غذته أوصال حبيب طرير

***

يا نفس قد آدك حمل الحزن

يا روح مقدور فراق البدن

اقطف أزاهير المنى قبل أن

يجف من عيشك غض الفنن

***

يحلو ارتشاف الخمر عند الربيع

ونشر أزهار الروابي يضوع

وتعذب الشكوى الى فاتن

على شفا الوادي الخصيب الينيع

***

فلا تتب عن حسو هذا الشراب

فإنما تندم بعد المتاب

وكيف تصحو وطيور الربى

صداحة و الروض غض الجناب

***

زخارف الدنيا أساس الألم

وطالب الدنيا نديم الندم

فكن خلي البال من أمرها

فكل ما فيها شقاء وهم

***

و أسعد الخلق قليل الفضول

من يهجر الناس ويرضى القليل

كأنه عنقاء عند السهى

لا بومة تنعب بين الطلول

***

من يحسب المال أحب المنى

و يزرع الأرض يريد الغنى

يفارق الدنيا ولم يختبر

في كده أحوال هذي الدنى

***

سرى بجسمي الغض ماء الفناء

وسار في روحي لهيب الشقاء

وهمت مثل الريح حتى ذرت

تراب جسمي عاصفات القضاء

***

يا من يحار الفهم في قدرتك

وتطلب النفس حمى طاعتك

أسكرني الإثم و لكنني

صحوت بالآمال في رحمتك

***

لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب

ولا دعتني قلة في الأدب

لكن إحساسي نزاعا إلى

إطلاق نفسي كان كل السبب

***

أفنيت عمري في اكتناه القضاء

وكشف ما يحجبه في الخفاء

فلم أجد أسراره وانقضى

عمري وأحسست دبيب الفناء

***

أطال أهل الأنفس الباصرة

تفكيرهم في ذاتك القادرة

ولم تزل يا رب أفهامهم

حيرى كهذي الأنجم الحائرة

***

لم يجن شيئا من حياتي الوجود

ولن يضير الكون أني أبيد

واحيرتي ما قال لي قائل

ماذا اشتعال الروح كيف الخمود

***

إذا انطوى عيشي وحان الأجل

وسد في وجهي باب الأمل

قرّ حباب العمر في كأسه

فصبها للموت ساقي الأزل

***

إن لم أكن أخلصت في طاعتك

فإنني أطمع في رحمتك

و إنما يشفع لي أنني

قد عشت لا أشرك في وحدتك

***

يا رب هيئ سبب الرزق لي

ولا تذقني منة المفضل

وأبقني نشوان كيما أرى

روحي نجت من دائها المعضل

***

أفنيت عمري في ارتقاب المنى

ولم أذق في العيش طعم الهنا

وإنني أشفق أن ينقضي

عمري وما فارقت هذا العنا

***

لم يبرح الداء فؤادي العليل

ولم أنل قصدي وحان الرحيل

وفات عمري وأنا جاهل

كتاب هذا الدهر جم الفصول

***

صفا لك اليوم ورقّ النسيم

وجال في الأزهار دمع الغيوم

ورجّع البلبل ألحانه

يقول هيا اطرب وخل الهموم

***

الدرع لا تمنع سهم الأجل

والمال لا يدفعه إن نزل

وكل ما في عيشنا زائل

لا شيء يبقى غير طيب العمل

***

الله يدري كل ما تضمر

يعلم ما تخفي وما تظهر

وإن خدعت الناس لم تستطع

خداع من يطوي ومن ينشر

***

وإنما بالموت كل رهين

فاطرب فما أنت من الخالدين

واشرب ولا تحمل أسى فادحا

وخلّ حمل الهم للاحقين

***

رأيت خزافا رحاه تدور

يجدّ في صوغ دنان الخمور

كأنه يخلط في طينها

جمجمة الشاه بساق الفقير

***

تمتلك الناس الهوى والغرور

وفتنة الغيد وسكنى القصور

ولو تزال الحجب بانت لهم

زخارف الدنيا وعقبى الأمور

***

إن الذي تأنس فيه الوفاء

لا يحفظ الود وعهد الإخاء

فعاشر الناس على ريبة

منهم ولا تكثر من الأصدقاء

***

زاد الندى في الزهر حتى غدا

منحنيا من حمل قطر الندى

والكُم قد جمع أوراقه

فظلّ في زهر الرّبى سيدا

***

وأسعد الخلق الذي يرزق

وبابه دون الورى مغلق

لا سيدٌ فيهم ولا خادم

لهم ولكن وادع مطلق

***

قلبي في صدري أسير سجين

تخجله عشرة ماء وطين

وكم جرى عزمي بتحطيمه

فكان ينهاني نداء اليقين

***

مصباح قلبي يستمدّ الضياء

من طلعة الغيد ذوات البهاء

لكنني مثل الفراش الذي

يسعى الى النور وفيه الفناء

***

طبعي ائتناسي بالوجوه الحسان

وديدني شرب عتاق الدنان

فاجمع شتات الحظ وانعم بها

من قبل أن تطويك كف الزمان

***

عاقب الأيام يدني الأجل

ومرها يطويك طيّ السجل

وسوف تفنى وهي في كرِّها

فقضِّ ما تغنمه في جذل

***

لا تشغل البال بماضي الزمان

ولا بآتي العيش قبل الأوان

واغنم من الحاضر لذّاته

فليس في طبع الليالي الأمان

***

قيل لدى الحشر يكون الحساب

فيغضب الله الشديد العقاب

وما انطوى الرحمن إلا على

إنالة الخير ومنح الثواب

***

كان الذي صورني يعلم

في الغيب ما أجني وما آثم

فكيف يجزيني على أنني

أجرمت والجرم قضا مبرم

***

هات اسقني كأس الطلى السلسل

وغنني لحنا مع البلبل

فإنما الإبريق في صبه

يحكي خرير الماء في الجدول

***

الخمر في الكأس خيال ظريف

وهي بجوف الدنّ روح لطيف

أبعد ثقيل الظّل عن مجلسي

فإنما للخمر ظل خفيف

***

باب نديمي ذو الثنايا الوضاح

وبيننا زهر أنيق وراح

وافتض من لؤلؤ أصدافها

فافترّ في الآفاق ثغر الصباح

***

نار الهوى تمنع طيب المنام

وراحة النفس ولذّ الطعام

وفاتر الحب ضعيف اللظى

منطفئ الشعلة خابي الضرام

***

القلب قد أضناه عشق الجمال

والصدر قد ضاق بما لا يقال

يا ربّ هل يرضيك هذا الضما

والماء ينساب أمامي زلال

***

خلقتني يا ربّ ماء وطين

وصغتني ما شئت عزّا وهون

فما احتيالي والذي قد جرى

كتبته يا ربّ فوق الجبين

***

ويا فؤادي تلك دنيا الخيال

فلا تنؤ تحت الهموم الثقال

وسلم الأمر فمحو الذي

خطت يد المقدار أمر محال

***

وإنما نحن رخاخ القضاء

ينقلنا في اللوح أنى يشاء

وكل من يفرغ من دوره

يلقى به في مستقر الفناء

***

رأيت صفا من دنان سرى

ما بينها همس حديث جرى

كأنها تسأل : أين الذي

قد صاغنا أو باعنا أو شرى

***

سطا البلى فاغتال أهل القبور

حتى غدوا فيها رفاتا نثير

أين الطلى تتركني غائبا

أجهل أمر العيش حتى النشور

***

إذا سقاني الموت كأس الحمام

وضمكم بعدي مجال المدام

فأفردوا لي موضعي واشربوا

في ذكر من أضحى رهين الرجام

***

عن وجنة الأزهار شف النقاب

وفي فؤادي راحة للشراب

فلا تنم فالشمس لمّا يزل

ضياؤها فوق الرّبى والهضاب

***

فكم على ظهر الثرى من نيام

وكم من الثاوين تحت الرغام

وأينما أرمي بعيني أرى

مشيعا أو نهزة للحمام

***

يا ربّ في فهمك حار البشر

وقصر العاجز والمقتدر

تبعث نجواك وتبدو لهم

وهم بلا سمع يعي أو بصر

***

بيني وبين النفس حرب سجال

وأنت يا ربّي شديد المحال

أنتظر العفو ولكنني

خجلان من علمك سوء الفعال

***

شقت يد الفجر ستار الظلام

فانهض وناولني صبوح المدام

فكم تحيينا له طلعة

ونحن لا نملك ردّ السلام

***

معاقرو الكأس وهم سادرون

وقائمو الليل وهم ساجدون

غرقى حيارى في بحار النهى

والله صاح والورى غافلون

***

كنّا فصرنا قطرة في عباب

عشنا وعدنا ذرة في التراب

جئنا إلى الأرض ورحنا كما

دب عليها النمل حينا وغاب

***

لا أفضح السر لعال ودون

ولا أطيل القول حتى يبين

حالي لا أقوى على شرحها

وفي حنايا الصدر سري دفين

***

أولى بهذي الأعين الهاجدة

أن تغتدي في أنسها ساهدة

تنفس الصبح فقم قبل أن

تحرمه أنفاسنا الهامدة

***

هل في مجال السكون شيء بديع

أحلى من الكأس وزهر الربيع

عجبت للخمّار هل يشتري

بماله أحسن مما يبيع

***

هوى فؤادي في الطلى والحباب

وشجو أذني في سماع الرباب

إن يصغ الخزاف من طينتي

كوبا فأترعها ببرد الشراب

***

يا مدعي الزهد أنا أكرم

منك وعقلي ثملا أحكم

تستنزف الخلق وما أستقي

إلا دم الكرم فمن آثم؟

***

الخمر كالورد وكأس الشراب

شفت فكانت مثل ورد مذاب

كأنما البدر نثا ضوءه

فكان حول الشمس منه نقاب

***

لا تحسبوا أني أخاف الزمان

أو أرهب الموت إذا الموت حان

الموت حق لست أخشى الردى

وإنما أخشى فوات الأوان

***

لا طيب في الدنيا بغير الشراب

ولا شجى فيها بغير الرباب

فكرت في أحوالها لم أجد

أمتع فيها من لقاء الصحاب

***

عش راضيا واهجر دواعي الألم

واعدل مع الظالم مهما ظلم

نهاية الدنيا فناء فعش

فيها طليقا واعتبرها عدم

***

لا تأمل الخل المقيم الوفاء

فإنما أنت بدنيا الرياء

تحمل الداء ولا تلتمس

له دواء وانفرد بالشقاء

***

اليوم قد طاب زمان الشباب

وطابت النفس ولذ الشراب

فلا تقل كأس الطلى مرة

فإنما فيها من العيش صاب

***

وليس هذا العيش خلدا مقيم

فما اهتمامي محدث أم قديم

سنترك الدنيا فما بالنا

نضيع منها لحظات النعيم

***

حتام يغري النفس برق الرجاء

ويفزع الخاطر طيف الشقاء

هات اسقنيها لست أدري إذا

صعدت أنفاسي ردت الهواء

*

دنياك ساعات سراع الزوال

وإنما العقبى خلود المآل

فهل تبيع الخلد يا غافلا

وتشتري دنيا المنى والضلال

***

يا من نسيت النار يوم الحساب

وعفت أن تشرب ماء المتاب

أخاف إن هبت رياح الردى

عليك أن يأنف منك التراب

***

يا قلب كم تشقى بهذا الوجود

وكل يوم لك همّ جديد

وأنت يا روحي ماذا جنت

نفسي وأخراك رحيل بعيد

***

تناثرت أيام هذا العمر

تناثر الأوراق حول الشجر

فانعم من الدنيا بلذاتها

من قبل أن تسقيك كف القدر

***

لا توحش النفس بخوف الظنون

وأغنم من الحاضر أمن اليقين

فقد تساوى في الثرى راحل

غدا وماض من ألوف السنين

***

مررت بالخزاف في صحوة

يصوغ كوب الخمر من طينة

أوسعها دعّا فقالت له :

هل أقفرت نفسك من رحمة

***

لو أنني خيرت أو كان لي

مفتاح باب القدر المقفل

لاخترت عن دنيا الأسى أنني

لم أهبط الدنيا ولم أرحل

***

هبطت هذا العيش في الآخرين

وعشت فيه عيشة الخاملين

ولا يوافيني بما أبتغي

فأين مني عاصفات المنون

***

حكمك يا أقدار عين الضلال

فأطلقيني آد نفسي العقال

إن تقصري النعمى على جاهل

فلست من أهل الحجا والكمال

***

إذا سقاك الدهر كأس العذاب

فلا تبن للناس وقع المصاب

واشرب على الأوتار رنانة

من قبل أن تحطم كأس الشراب

***

لا بد للعاشق من نشوة

أو خفة في الطبع أو جنة

والصحو باب الحزن فاشرب تكن

عن حالة الأيام في غفلة

***

أنا الذي عشت صريع العقار

في مجلس تحييه كأس تدار

فعدِّ عن نصحي لقد أصبحت

هذي الطلى كل المنى والاختيار

***

أعلم من أمري الذي قد ظهر

وأستشف الباطن المستتر

عدمت فهي أن تكن نشوتي

وراءها منزلة تنتظر

***

طارت بي الخمر إلى منزل

فوق السماك الشاهق الأعزل

فأصبحت روحي في نجوة

من طين هذا الجسد الأرذل

***

سئمت يا ربي حياة الألم

وزاد همي الفقر لما ألمّ

ربي انتشلني من وجودي فقد

جعلت في الدنيا وجودي عدم

***

لم يخل قلبي من دواعي الهموم

أو ترض نفسي عن وجودي الأليم

وكم تأدبت بأحداثه

ولم أزل في ليل جهل بهيم

***

الله قد قدر رزق العباد

فلا تؤمل نيل كل المراد

ولا تذق نفسك مرّ الأسى

فإنما أعمارنا للنفاد

***

إن الذي يعرف سر القضاء

يرى سواء سعده والشقاء

العيش فان فلندع أمره

أكان داء مسنا أم دواء

***

يا طالب الدنيا وقيت العثار

دع أمل الربح وخوف الخسار

واشرب عتيق الخمر فهي التي

تفك عن نفسك قيد الإسار

***

الكأس جسم روحه الساريه

هذي السلاف المزة الصافية

زجاجها قد شف حتى غدا

ماء حوى نيرانها الجارية

***

قد ردد الروض غناء الهزار

وارتاحت النفس لكأس العقار

تبسم النور فقم هاتها

نثأر من الأيام قبل الدمار





***



بي من جفاء الدهر همّ طويل

ومن شقاء العيش حزن دخيل

قلبي كدنّ الخمر يجري دما

ومقلتي بالدمع كأس تسيل

**

وكلما راقبت حال الزمن

رأيته يحرم أهل الفطن

سبحان ربي كلما لاح لي

نجم طوته ظلمات المحن

***

ماذا جنينا من متاع البقاء

ماذا لقينا في سبيل الفناء

هل تبصر العين دخان الألى

صاروا رمادا في أتون القضاء

***

تلك القصور الشاهقات البناء

منازل العز ومجلى السناء

قد نعب البوم على رسمها

يصيح أين المجد ، أين الثراء

***

هون على النفس احتمال الهموم

واغنم صفا العيش الذي لا يدوم

لو كانت الدنيا وفت للألى

راحوا لما جاءك دور النعيم

***

وإنما الدهر مذيق الكروب

نعيمه رهن بكف الخطوب

ولو درى الهم الذي لم يجيء

دنيا الأسى لاختار دار الغيوب

***

صبت علينا و ابلات البلاء

كأننا أعداء هذا القضاء

بينا ترى الإبريق والكأس قد

تبادلا التقبيل حول الدماء

***

تفتح النوار صب المدام

واخلع ثياب الزهد بين الأنام

وهاتها من قبل سطو الردى

في مجلس ضم الطلى والغرام

***

حار الورى ما بين كفر ودين

وأمعنوا في الشك أو في اليقين

وسوف يدعوهم منادي الردى

يقول ليس الحق ما تسلكون

***

نصبت في الدنيا شراك الهوى

وقلت أجزي كل قلب غوى

أتنصب الفخ لصيدي وإن

وقعت فيه قلت عاص هوى

***

أنا الذي أبدعت من قدرتك

فعشت أرعى في حمى نعمتك

دعني الى الآثام حتى أرى

كيف يذوب الإثم في رحمتك

***

إن تفصل القطرة في بحرها

ففي مداه منتهى أمرها

تقاربت يا ربّ ما بيننا

مسافة البعد على قدرها

***

وإنما الدنيا خيال يزول

وأمرنا فيها حديث يطول

مشرقها بحر بعيد المدى

وفي مداه سيكون الأفول

***

جهلت يا نفسي سر الوجود

وغبت في غور القضاء البعيد

فصوري من نشوتي جنة

فربما أحرم دار الخلود

***

يا ورد أشبهت خدود الحسان

ويا طلي حاكيت ذوب الجمان

وأنت يا حظي تنكرت لي

وكنت من قبل الأخ المستعان

***

أولى بك العشق وحسو الشراب

وحنة الناي ونوح الرباب

فأطلق النفس ولا تتصل

بزخرف الدنيا الوشيك الذهاب

***

لا تشغل البال بأمر القدر

واسمع حديثي يا قصير النظر

تنح واجلس وادعا قانعا

وانظر الى لعب القضا بالبشر

***

يا قلب إن ألقيت ثوب العناء

غدوت روحا طاهرا في السماء

مقامك العرش ترى حطّة ً

أنك في الأرض أطلت البقاء

***

إن الذي يذبل زهر الربيع

ينثر أوراق وجود الجميع

والهم مثل السّم ترياقه

في الخمر فاشرب قدر ما تستطيع

***

زجاجة الخمر ونصف الرغيف

وما حوى ديوان شعر طريف

أحب لي إن كنت لي مؤنسا

في بلقع من كل ملك منيف

***

أتسمع الديك أطال الصياح

وقد بدى في الأفق نور الصباح

ما صاح إلا نادبا ليلة

ولّت من العمر السريع الرواح

***

علام تشقى في سبيل الألم

ما دمت تدري أنك ابن العدم

الدهر لا تجري مقاديره

بأمرنا فارض بما قد حكم

***

تحمل الداء كبير الرجاء

أنك يوما تنال الشفاء

واشكر على الفقر الذي إن يُرَدّ

أصبحت موفور الغنى والثراء

***

ليتك يا ربي تبيد الوجود

وتخلق الأكوان خلقا جديد

فتغفل اسمي أو تزيد الذي

قدرت لي في الرزق بين العبيد

***

وصلتني بالنفس منذ القدم

فكيف تفري شملنا الملتئم

وكنت ترعاني فماذا دعا

إلى اطراحي للأسى والألم

***

هات الطلى فالنفس عما قليل

توشك من فرط الأسى أن تسيل

عساي أنسى الهم في نشوتي

من بعد رشفي كأسها السلسبيل

***

يا ساقي الخمر أفق هاتها

ثم اسقني سائل ياقوتها

فإنها تبعث من روحها

نفسي وتحيي ميت لذاتها

***

صب من الإبريق صافي الدماء

واشرب وهات الكأس ذات النقاء

فليس بين الناس من ينطوي

على الذي في صدرها من صفاء

***

أين طهور النفس عفّ اليمين

وكيف كانت عيشة الصالحين

إن كنت لا تغفر ذنبي فما

فضلك يا ربِّ على العالمين

***

أبدعت فينا بينات العِبر

وصُغتنا يا ربي شتى الصور

فهل أطيق اليوم محو الذي

تركته في خلقتي من أثر

***

طبائع الأنفس ركّبتها

فكيف تجزي أنفسا صغتها

وكيف تفنى كاملا أو ترى

نقصا بنفس أنت صورتها

***

تخفي عن الناس سنا طلعتك

وكل ما في الكون من صنعتك

فأنت مُجلاه وأنت الذي

ترى بديع الصنع في آيتك

***

يا رب مهّد لي سبيل الرّشاد

واكتب لي الراحة بعد الجهاد

وأحي في نفسي المنى مثلما

يحيي موات الأرض صوب العهاد

***

لن يرجع المقدار فيما حكم

وحملك الهم يزيد الألم

ولو حزنت العمر لن ينمحي

ما خطه في اللوح مر القلم

***

ولّى الدجى قم هات كأس الشراب

كأنما الياقوت فيها مذاب

واحرق من العود بخورا وخذ

من غصنه المعطار واصنع رباب

***

الخمر توليك نعيم الخلود

ولذّة الدنيا وأنس الوجود

تحرق مثل النار لكنها

تجعل نار الحزن ماء برود

***

عيشي من أجل الطلى مستحيل

فإنها تشفي فؤادي العليل

ما أعذب الساقي إذا قال لي

تناول الكأس ورأسي يميل

***

أولى بهذا القلب أن يخفقا

وفي ضرام الحب أن يحرقا

ما أضيع اليوم الذي مرّ بي

من غير أن أهوى و أن أعشقا

***

سارع الى اللذات قبل المنون

فالعمر يطويه مرور السنين

ولست كالأشجار إن قلمت

فروعها عادت رطاب الغصون

***

إن الألى ذاقوا حياة الرّغد

وأنجز الدهر لهم ما وعد

قد عصف الموت بهم فانطووا

واحتضنوا تحت تراب الأبد

***

نفسي خلت من أنس تلك الصحاب

لما غدوا ثاوين تحت التراب

في مجلس العمر شربنا الطلى

فلم يفق منا صريع الشراب

***

ولست مهما عشت أخشى العدم

وإنما أخشى حياة الألم

أعارني الله حياتي وعن

حقوقه استرداد هذا النسم

***

قالوا امتنع عن شرب بنت الكروم

فإنها تورث نار الجحيم

ولذّتي في شربها ساعة

تعدل في عيني جنان النعيم

***

إن دارت الكأس ولذّ الشراب

فكن رضيّ النفس بين الصحاب

واشرب فما يجديك هجر الطلى

إن كان مقدورا عليك العذاب

***

شيئان في الدّنيا هما أفضل

في كل ما تنوي وما تعمل

لا تتخذ كل الورى صاحبا

ولا تنل من كل ما يؤكل

***

لو كان لي قدرة رب مجيد

خلقت هذا الكون خلقا جديد

يكون فيه غير دنيا الأسى

دنيا يعيش الحر فيها سعيد

***

إذا بلغت المجد قالوا زنيم

وإن لزمت الدار قالوا لئيم

فجانب الناس ولا تلتمس

معرفة تورث حمل الهموم

***

خير لي العشق وكأس المدام

من ادعاء الزهد والإحتشام

لو كانت النار لمثلي خلت

جنات عدن من جميع الأنام

***

عبدك عاص أين منك الرضاء

وقلبه داج فأين الضياء

إن كانت الجنّة مقصورة

على المطيعين فأين العطاء

***

أهل الحجا والفضل هذي العقول

قد حاولوا فهم القضاء الجليل

فحدثونا بعض أوهامهم

ثم احتواهم ليل نوم طويل

***
يا عالم الأسرار علم اليقين

يا كاشف الضر عن البائسين

يا قابل الأعذار فثنا الى

ظلك فاقبل توبة التائبين