الخميس، أبريل 08، 2010

الحدود العربية

 


إضغط على الصورة لعرضها بحجمها الطبيعي في صفحة جديدة

كان العرب ولازالوا يهتمون كثيراً بالخطوط الحمراء و الحدود الفاصلة في حياتهم الشخصية، فما أكثر مانرى في الشوارع العربية شخص "يصيح" بصاحبه وهو يريد أن يقول له :لا تتجاوز حدودك..وإلا..!!

وهذه العدوى على مستوى العلاقات الشخصية انتقلت إلى أروقة السياسة العربية، لكنها هنا أنتقلت من الحدود الشخصية إلى الحدود البرية، فلا تكاد تمر سنة واحدة دون أن نسمع أن هناك في العالم العربي أزمة مصيرية و توترات سياسية و أجواء حربية بين بعض الدول العربية بسبب الحدود البرية المشتركة التي تجمع بينهم.

والخلافات الحدودية عادة يتبعها مواجهة عسكرية برية ...مما تؤدي إلى خسائر في الأرواح و الممتلكات كما نشاهده اليوم على حدود السعودية واليمن.. و تترك هذه الحروب جروحاً غائرة في نفوس الشعوب وشروخاً عميقة في العلاقات السياسية تبقى على مر الأزمان لا ينفع معها طلب العفو و الغفران.

ومع أن العالم المتقدم والمتطور يسعى إلى الوحدة والتكتل كما نشاهد في أوروبا...حيث تستطيع أن تعبر من دولة إلى أخرى دون أن تشعر بأي تغير وكأنك في دولة واحدة...لكن وعلى النقيض من ذلك تجد العالم العربي صراعاته تكون على أشدها عند الحدود...بحيث يعسكر الجنود....وتجتمع الحشود..فالأوطان الصغيرة تخشى من الدول الكبيرة...والأوطان الكبيرة تحتقر الدول الصغيرة...يحكمهم قانون الغاب..فلا مكان إلا للقوياء...ولا عزاء للضعفاء.

هذه الحدود وصلت إلى ماوصلت إليه بعد تاريخ حافل بالحروب والحملات الإستعمارية...فقد تمزقت المنطقة إلى دويلات عديدة وتم رسم حدودها من قبل المحتلين لها ...ومن أشهر هذه الاتفاقيات ..اتفاقية سايكس بيكو التي حظيت بتوقيع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا في عام 1916. وقد قسمت المشرق العربي إلى خمس مناطق بأستثناء شبه الجزيرة العربية.

والمنطقة اليوم معرضة لمزيد من التقسيم والتفتيت كما حاولت أمريكا فعله في العراق وتقسيمه إلى ثلاث دويلات. أو مافعلته سابقاً في إندونسيا بعد أن جلعت تيمور الشرقية دولة مستقلة عن الأراضي الإندوسية...فلا تستبعد في قابل الأيام أن تسمع عن دولة إسمها "تيمور" العرب.

لكن المفارقة الوحيدة في هذه المنطقة الملتهبة هو وجود دولة "صغيرة" تقوم الدول العربية برعايتها وحمايتها أكثر من حماية حدودها الوطنية....وتبذل كل طاقاتها من أجل تأمين حدود هذه الدولة الصغيرة ...وتحارب كل من يحاول اقتحامها أو يقترب منها.

ماشهدناه هذه الأيام على حدود مصر وقطاع غزة يعكس صورة شاملة للأوضاع على غالبية الحدود المشتركة بين الدول العربية....وهنا وفي عدة حلقات نسلط الضوء على الخلافات المدمرة والصراعات الحدودية العربية- العربية... في مقابل مانشاهده من إتفاقيات وثيقة وعلاقات "أخوية" متميزة على الحدود العربية- الإسرائلية.

****

السعودية × الأمارات

أكبر اقتصادين في مجلس التعاون الخليجي..فبرغم المصالح الكثيرة التي تجمع بينهم والعلاقة الوثيقة التي تربطهم..لكن عدوى "فايروس الحدود" وصلت إليهم....فالسعودية منعت مرور المواطنين الإماراتيين عبر حدودها إلا بجوازت سفر بحجة أن الهوية الوطنية الإماراتية تحوي في تصميمها أراض سعودية...والإمارات تطالب الشقيقة "الكبرى" بإعادة النظر في الاتفاقيات الحدودية القديمة بين البلدين....فرأينا كيف تكدست الشاحنات أمام المنافذ البرية الحدودية بين البلدين...وكأن السعودية تريد أن تعطي الإمارات درساً قاسياً بسبب رفضها أن تكون مدينة الرياض مقراً دائما للبنك المركزي لمشروع العملة الموحدة لمجلس التعاون الخليجي..حتى أن البعض طالب الإمارات أن تبذل جهودها في تحرير جزرها المحتلة من قبل إيران بدل أن تطالب بتعديل الاتفاقيات القديمة.. فكانت هذه الأحداث انتكاسة حقيقية للجهود المبذولة في سبيل التعاون بين الدول الخليجية..

****

السعودية × اليمن

حدود برية ملتهبة منذ عشرات السنين...ومناطق وعرة جبلية يقطنها قبائل من عوائل مختلفة....يتم من خلال هذه الحدود تهريب السلاح والمخدرات ودخول الأفراد والجماعات...حتى أن السعودية فكرت في بناء جدار فاصل بينها وبين اليمن.

قبل تسع سنوات تقريباً وفي عام 2000 بالتحديد.. قامت الحكومتين السعودية واليمنية في مدينة جدة بتوقيع معاهدة ترسيم الحدود البرية بين البلدين و إنهاء نزاع حدودي استمر لعشرات الأعوام. لكن عدوى "فايروس الحدود" ظهرت من جديد، لتبدأ عملية عسكرية هدفها تطهير" المتسللين" الحوثيين من الأراضي السعودية....لتكون الاتفاقية الحدودية الموقعة بين البلدين مجرد حبر على ورق...فالحكومة اليمنية لا تستطيع أن تفرض سلطتها على بعض المدن اليمنية...فما بالك بحدود برية يصل طولها إلى أكثر من 1300 كلم تقريبا..والسعودية تريد حفظ أمنها من الجماعات المسلحة والتكفيرية التي أتخذت من اليمن مقراً لها للتخطيط والتنفيذ.

***

قطر × البحرين

من أصغر دول العالم العربي ..حتى أن الحجم الجغرافي للبلدين أصبح موضعاً للسخرية و إطلاق التهكمات حتى من قبل بعض رؤساء العرب...حيث قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات وبلهجة " الفلاح الصعيدي" عندما انتقدت قطر اتفاقية كامب ديفيد : (( آآآآل "أطر" بتستنكر...هي "أطر" فين ؟؟؟ بيئولو أنها حتت دوارين ونخلة)).

والمضحك هنا أن قطر والبحرين لايوجد بينهما حدود برية....لكن عدوى "فايروس الحدود" أبى إلا أن يضرب "أطنابه" بين الدولتين ولكن هذه المرة عبر الحدود البحرية...فتوترت العلاقات وتأزمت المسارات حتى تبادلا القطيعة الدبلوماسية بين الفينة والآخرى...وبعد فشل جميع الوسطات والمبادرات العربية نجحت محكمة العدل الدولية في إنهاء هذا النزاع الحدوي بين الدولتين ..لتنهي هذا الخلاف وتقفل هذا الملف الخليجي – الخليجي.

***

العراق × إيران

باختلاف الحكومات والأوضاع السياسية في البلدين ، إلا أن النزاع الحدودي هو سيد الموقف ...فالرئيس العراقي السابق صدام حسين خاض حرباً شرسة ومستعرة ضد الملالي الإيرانين استمرت ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس..ومع أن الأوضاع الحدودية بقيت هادئة عقب هذه الحرب التاريخية إلا أن الأيام الأخيرة شهدت عودة عدوى "فايروس الحدود" بين البلدين أثر اجتياح مفاجئ ومباغت من قبل أفراد الجيش الإيراني للسيطرة على الحقل الحدودي النفطي التابع للعراق.....لتعود الذاكرة إلى أجواء الحرب السابقة ...ويبدأ السياسيون في كلا البلدين الدعوة إلى ترسيم الحدود قبل أن يتقاتل الجنود.

***

العراق × الكويت

الجيش العراقي يجتاح الكويت في سابقة خطيرة لم يعرف تاريخ العرب الحديث مثلها...وأصبحت دولة الكويت المحافظة التاسعة عشرة كما كان يحب أن يناديها حزب البعث الحكام في ذلك الوقت...وبعد أن خرج العراق من الكويت تحت ضربات قوات التحالف....أصبحت الحدود العراقية الكويتية محل نزاع دائم بين وطن صغير تدعمه القوى الغربية...ووطن كبير يقوده حجاج العراق صدام حسين...ومع أن الأوضاع السياسية تغيرت بالكامل في أرض الرافدين ..إلا أن قضية الحدود بين البلدين بقية معلقة بين مد وجزر تنتظر من يضع نقطة على آخر السطر.

***

العراق × السعودية

حدود ذات طبيعة وعرة بين صحراوية وتلال وهضبات صخرية....تسعى السعودية إلى بناء جدار أمني بتكلفة تقدر 4 مليارات ريال ...والمملكة تحاول أن تضبط أمن حدودها مع العراق البالغة 900 كيلو متر...حيث يعيش العراق حالة من الفوضى الدائمة منذ الثمانينات نتيجة الحروب التي خاضها مع إيران و من ثم الكويت ..وماحدث بعد ذلك من أجتياح الجيش الأمريكي و البريطاني لـ أراضي العراق في عام 2003....دولتين عربية يفصل بينهما جدار "أمني"....فأين التعاون "الأخوي"؟؟

***

سوريا × العراق

صدام حسين وحافظ الأسد...شخصيات سياسية تركت بصمة تاريخية ستبقى طويلاً في أذهان العرب والبشر...في هذه الدولتين يوجد أعرق المدن العربية والأسلامية..عاصمة الدولة الأموية قديما وسوريا حديثاً مدينة دمشق وعاصمة الدولة العباسية سابقاً والعراق حالياً مدينة بغداد.

في العصر الحديث حكم هذه الدولتين قادة منتمون إلى حزب البعث العربي...وكانوا في السبعينيات يبحثون عن توحيد العراق وسوريا وجعلها دولة عربية واحدة.. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل وتحولت العلاقة بين الدولتين إلى عداء مستحكم بقي حتى زوال نظام البعث في العراق بعد غزوه من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ظلت الحدود السورية- العراقية محل أهتمام دولي صاحبه العديد من النشاطات العسكرية والاستخباراتية والسبب أن أغلب (الأنتحارين) والمقاتلين الأجانب يعبرون إلى العراق لقتال القوات الأمريكية عبر هذه الحدود وبمساعدة سورية كما نصت الاتهامات الغربية والعراقية القادمة من المنطقة الخضراء...

وفي الأيام الماضية نشأت أزمة سياسية بين البلدين نتيجة أحداث دامية وقعت في بغداد تحمل بصمات بعثية مقيمة في سوريا...وبالمناسبة يوجد مايقارب مليوني عراقي مقيمون في مخيمات اللاجئين بسوريا...فهل ينتهي التوتر بين البلدين بانتهاء الاحتلال ..أو تبقى الخلافات "هواية" ترافق جميع الأجيال؟؟

***

سوريا × لبنان

تعتبر لبنان دولة صغيرة جداً مقارنة بحجم سوريا وتظهر في الخارطة وكأنها أقليم سوري مستقل وليست دولة ذات سيادة....ولسوريا نفوذ سياسي متسلط وكبير بداخل النخب اللبنانية الحاكمة...وإلى عهد قريب كانت المناصب الرئيسية في لبنان يتم ترشيحها من قبل النظام السوري.

تعرضت العلاقات بين البلدين إلى هزة عنيفة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري حيث تم اتهام النظام السوري ومخابراته بتدبير علمية الإغتيال...مما أدى إلى خروج الجيش السوري من لبنان بعد تواجد استمر لعقود من الزمن.

وقد سعت الدول الغربية إلى فتح تحقيق دولي لمراقبة الحدود السورية اللبنانية وذلك لمنع تدفق السلاح ووصوله إلى حزب الله اللبناني في الجنوب الذي يقاتل إسرائيل.

وهنا كما هناك في بقية حدود الدول العربية المشتركة...ظهرت عدوى وباء ( فايروس الحدود) بين الدولتين..وإلى هذه اللحظة لم يتم ترسيم الحدود ...وحتى (مزارع شبعا) وهي أراضي لبنانية محتلة ..لكن الأمم المتحدة اعتبرتها أراض سورية محتلة وليست لبنانية...وقد وصل الخلاف في هذه النقطة إلى الصفوف الأولى في قيادات البلدين..ولسوريا حشود عسكرية كبيرة على الحدود التي تربطها بلبنان...وقد تدخل في أي وقت فالظروف السياسية في المنطقة تتغير بين ليلة وضحاها.

سوريا × الأدرن

ترسيم الحدود بين سوريا و الأردن من أهم الملفات...في عام 1990 تشكلت لجنة لترسيم الحدود بين البلدين..وبعد عدة لقاءات و اجتماعات ومفاوضات كثيرة وعديدة إلا أن الوضع لم يتغير ولم يظهر أي تفصيلات جديدة...ومازال الجانبان يتبادلان الأتهامات ومسؤولية التأخير والتقصير.

والخلاف يدور حول منطقة بسيطة من الأراضي الأردنية يسكنها ويملك أراضيها مواطنون سوريون..بجانب الرغبة السورية في استئجار أراض أردنية الذي قوبل باستهجان ورفض من نواب البرلمان الأردني دون أي تعليق رسمي...مع العلم أن الأردن قام بتأجير بعض أراضيه إلى إسرائيل!!

لكن الخلاف الأوسع يدور حول ملف المياه...وهنا يظهر فايروس من نوع آخر وهو ( فايروس المياه) والذي يهدد العلاقات السورية – الأردنية...فالأردن يريد الحصول على حصته من مياه نهر اليرموك بينما يرى الجانب السوري أن مشكلة المياه في الأردن مع "إسرائيل".

ويا للعجب..!!!!!!! علاقات يسودها الحذر والترقب على الحدود المشتركة بين سوريا و الأردن....بينما علاقات يسودها الهدوء والأحترام المتبادل على الحدود المشتركة مع (إسرائيل).....

***

الجزائر× المغرب

المشهد في المغرب العربي لا يختلف كثيرا عن المشرق العربي...وعدوى (فايروس الحدود) كان له بصمة واضحة وقوية...وهنا بين الجزائر والمغرب...مواجهات عسكرية وأزمات سياسية وأجواء متوترة ومنافذ برية مغلقة....هذا هو حال الحدود المشتركة بين الجزائر والمغرب منذ أكثر من خمسين سنة تقريباً.

وجذور الخلاف هنا عميقة ومتشابكة ...ولم يعد الأمر مقتصرا على حدود الدولتين...بل وصلت الأزمة إلى أروقة مباني الأمم المتحدة والتي تسعى جاهدة في حل قضية ( الصحراء الغربية) كما يحب أن يناديها الجزائر أو ( الصحراء المغربية) كما يحب أن يطلق عليها المغرب.

ومازالت الحدود بين الدولتين مغلقة وتعيش أجواء متوترة...وقد تبدأ مواجهة عسكرية في أي لحظة كما حدث في السابق والتي عرفت بـ (حرب الرمال)..أو نشهد مواجهات دبلوماسية كثيفة بين البلدين من قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء و المقيمين كما فعلت الجزائر في السابق..وقد ينتقل الصراع إلى دول مجاورة مثل موريتانيا والتي تحاول ممارسة الحيادية في هذه القضية الشائكة.

والغريب هنا ..أن هناك جزر مغربية مثل ( سبتة ومليلة وجزر أخرى) محتلة من قبل اسبانيا....لكن الأوضاع هادئة والعلاقات بين المغرب واسبانيا قوية وعميقة...وهذا هو حال العرب مع كل آسف..أشداء فيما بينهم رحماء مع الغير....!!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق